صارت حياتنا تمر بالساعات و الايام على نفس الحال، نسافر باصابعنا من تطبيق الى تطبيق... لقد ابتلعني وَحْل السوشيل ميديا، ليس كتفاعل أو مشاركة و إنما كمراقبة و مدمنة على قراءة التعليقات التي لا تهمني في شيء و تضيع وقتي بشدة دون أدنى مقاومة مني... أليس هذا ما يحدث تماما لمن يتعاطى المخدرات و المسكرات؟ لا أختلف عنهم في شيء غير أن مواد الادمان تغيرت فأصبحت عبارة عن جهاز جميل ذكي و خفيف، أحمله بين يدي برفق و يأخذني إليه بعشق، فيتملكني كجني عاشق لا يصرفه دعاء، فيأخذني بعيدا عن كل شيء و يمتص كل قوتي فما إن أضعه لثواني حتى أجدني أرجع لأحضنه بين كفي...
قرار و لن أتراجع عنه... قبل 5 دقائق
لم يعد الامر طبيعيا، لم أعد أستطع تحمل نفسي، سأقوم بمسح الانستغرام و الفيسبوك و السنابشات و سأنزل تطبيق سودكو و الكلمات المتقاطعة لقد مرت فترة طويلة لم أشغل فيها خلايا دماغي!!!
بعد القرار مباشرة وقبل تطبيقه
- نوتيفيكشن
ماهذا الخبر؟ سأدخل التعليقات لأفهم
حتى بدون أن أفتح الرابط أو الفيديو لأعرف المحتوى، فإذا بي أنزل مباشرة لقراءةالتعليقات و التي هي عبارة عن سب و شتم و طائفية و إعلانات و عنصرية و أدعية و ...الخ. تجبرك أن تنسى ما كنت تريده... عالم غريب متشابك و غير متجانس البتة، يشعرك بالاشمئزاز و السخرية و في نفس الوقت يضحكك و يسليك... فتتخيل لو كنت في غرفة مع أشخاص لا يعرفون بعض و يتجادلون و يصرخون بدون أن تفهم ماهو الموضوع و ماذا يحدث و لماذا هذه الجلبة و هذا الكم الهائل من السواد و الضباب الكلامي و الاحاسيس البركانية و بالرغم من ذلك تجلس و تتحمل هذا التلوث الاجتماعي البشري... اهذا طبيعي؟
بعد مرور أيام و أيام على نفس الحال، طرأ شيء أيقظني من السبات أو بالاحرى من الغيبوبة... لقد انكسر هاتفي و إصلاحه بثمن هاتف جديد، فتذكرت ماعلي من مسؤوليات و أعباء تثقل الظهر، فصرفت النظر عن إصلاحه فاستعنت بمحمول أيام الطيبين من ماركة نوكيا، الحب الاولي الذي كان يهتز معه قلبي مع كل رنة و اهتزاز، حين كانت الرسالة أهم و أعمق من المكالمة... انكسار هاتفي لملم شتات أمري و أعاد الحياة الى عيناي التي كادت أن تفقد حيويتها...
مرحلة تأهيلي مرت بسلام و تعافيت و أدركت أن مشاكل الواقع مربكة و مخيفة و أعمق من التفاهات التي أتصفحها كل يوم... التلوث البيئي، ضحايا حوادث السيارات بسبب الهاتف تعادل ضحايا الحروب، اغتصاب الحقوق و الثروات، العقوق، النفاق... أصبحت واعية جدا بما حولي...
كتاب متعلق بنفس هذا المقال: مصيدة التشتت : كيف تركز في فوضى العالم الرقمي
إن الصحة لا تستوجب الابتعاد عن ما نعرفه بالمضر و الحرام، فكم من أمر حسبناه منفعة لكن مضرته تفوق تصورنا... ابتعادي عن العالم الافتراضي جعلني اكتشف مشاعري أكثر، استوعب تناقضات في شخصيتي، أعيش في المجتمع مجددا و أتقبله بدون الهرب منه و الاختباء وراء الفراغ المنشغل.
لا تضيع حياتك أمام شاشة عرض، لا تكن ضحية نفسك و لاتهرب من ضعفك و فراغك الداخلي بل حولهم لطاقة مؤثرة بايجابية، استغل وقتك بما ينفعك و لتملأ ما وراء شاشة هاتفك بما يشفع لك، اجعل التواصل على منصات التواصل الاجتماعي تعمق علاقاتك على أرض الحياة مع أهلك و أحبتك... لا تنسى فالوقت ليس صديق أحد و الحياة لا تعطي الفرص كل مرة، فاليوم لك و غدا عليك... تدبر في ما حولك و اعرف قيمته و لاضير أن تكتب عنه خلف الشاشة، امتص الطاقة التي تحتاجها لتنمو و تسمو لكن ليس العكس...
استيقظت اليوم، و كانت قهوتي و خبزي المحمص أكثر لذة من ذي قبل...